عودة لأجواء مألوفة: بداية من عام 2017 لم يعد واجباً التحمس الزائد لتحقيق فيلم ما «أعلى إيرادات في تاريخ السينما المصرية»، هذا اللقب ورقمه القياسي تحطم وتعرض للانتهاك سنوياً بشكل منتظم، أحياناً لمرتين بنفس العام وبفاصل أسابيع قليلة، ما هو الجديد إذن في حالة «ولاد رزق 3»؟
نعرف أن هذا نتيجة لتعويم الجنيه في نوفمبر 2016 وتضخم الأسعار اللاحق: في عيد الأضحى 2017 سجل «الخلية» 56 مليون جنيه ليكسر رقم إيرادات «لف ودوران» الذي جمعها قبل التعويم بأسابيع قليلة، وفي موسم عيد الفطر 2018 جاء «حرب كرموز» ثم «البدلة» في عيد الأضحى بنفس العام، وفي 2019 طار «الفيل الأزرق 2» فوق «كازبلانكا»، ثم هدنة لعامين بسبب جائحة كورونا، لتتكرر نفس المتوالية بعد سلسلة تعويمات جديدة بدأت في 2022، لينضم إلى قائمة الملوك المغدورين «كيرة والجن» (2022) و«بيت الروبي» (2023).
لهذا أصبح ضرورياً إدماج نسب التضخم السنوية في أرقام الإيرادات لكي يمكن مقارنتها عبر السنوات التي تغيرت فيها قيمة الجنيه. باستخدام «مؤشر أسعار المستهلك» (CPI) الذي يقيس ويراكم التغير في أسعار مجموعة من السلع، أمكن تحويل الإيرادات إلى أرقام نسبية معادلة لاستخدامها في المقارنات. في الجدول التالي تم استخدام المؤشر في تحويل إيرادات الأفلام السابقة إلى ما يعادلها بالأسعار الحالية في يوليو 2024.
جدول يوضح استخدام مؤشر أسعار المستهلك في تحويل إيرادات الأفلام السابقة إلى ما يعادلها بالأسعار الحالية في يوليو 2024
يمكن ملاحظة كيف انخفضت الأرقام المعادلة في ما بين «لف ودوران» و«كرموز» بسبب تأثير موجة التضخم التي بدأت في نهاية 2016، ثم تصاعد تدريجي بين «البدلة» و«الفيل» في فترة التقاط الأنفاس قبل كورونا، هذه كانت فترة انتعاش حقيقي في مواجهة التضخم، وتعود الأرقام للانخفاض حتى 2023، حتى يأتي «ولاد رزق».
إنها طبقات جيولوجية من الأرقام القياسية الهشة، لأن انتفاخ إيرادات أحد الأفلام لا يعني تحسن باقي مؤشرات صناعة السينما المصرية التي نما إجمالي إيراداتها بنسب أقل من التضخم وانهيار العملة. كان 2018 هو الاستثناء الوحيد الذي شهد منافسات حذرة على طول ثلاثة مواسم لعرض الأفلام.
حتى بمعادلة التضخم يظهر «ولاد رزق» تفوقاً واضحاً وحاسماً على أسلافه حاملي لقب «أعلى إيرادات تاريخية»، بفارق أكثر من 26 مليوناً عن منافسه الأقرب «الفيل الأزرق 2»، ولا يزال أمامه عدة ملايين أخرى قبل سحبه من دور العرض.
في الطريق نقش «ولاد رزق» تشكيلة أخرى من الألقاب: أقوى أسبوع افتتاح (93 مليون جنيه)، وأعلى إيراد يومي (23 مليون جنيه، الثلاثاء 18 يونيو)، والأسرع في الوصول إلى الـ100 مليون جنيه (ثمانية أيام) والـ200 مليون جنيه (20 يوماً)، وهو الوحيد الذي وصل لهذه العلامة، حتى الآن.
لا يمكن مقارنة «ولاد رزق» فقط بمجموعة الأفلام السابقة له والحديثة نسبياً. عملية معادلة الإيرادات ستجلب كائنات كوميدية من الماضي: بوحه الصباحي وهمام واللمبي وخلف الدهشوري خلف.
مقارنة إيرادات فيلم «ولاد رزق» بإيرادات أفلام «صعيدي في الجامعة الأمريكية» و«اللمبي» و«همام في أمستردام» و«بوحه»
من المرجح أن ينتهي مشوار «ولاد رزق» بمستوى أقل من 260 مليون جنيه خلال ما تبقى له من أسابيع عرض، لهذا من المستبعد أن يتمكن من تجاوز «بوحه». أعلى سقف هذا التقييم يتربع «صعيدي في الجامعة الأمريكية» الذي صنع أسطورته ونجومية محمد هنيدي منذ 26 سنة، عندما استمر عرضه 36 أسبوعاً، ليشكل نقطة فارقة في ثقافة جيل الألفية ويغير نمط صناعة الكوميديا للأبد.
وصول «ولاد رزق» للمركز الخامس ضمن هذه القائمة يعد إنجازاً استثنائياً، لأن معظم أفلامها أتت من فورة انتعاش سينمائي خلال نهاية التسعينيات وبداية الألفية، أقرب الأفلام المعاصرة له هو «الفيل الأزرق 2» الذي توقف عند المركز التاسع، يلحقه «ولاد رزق 2» في المركز الـ11، والفيلمان عُرضا في 2019، في فترة الانتعاش الوحيدة بعد فورة الألفية.
القاضية الحقيقية هي في إيرادات «ولاد رزق» في السعودية، فمع مساهمة «موسم الرياض» السعودي في تمويل إنتاج الفيلم بمبلغ وصل إلى ثمانية ملايين دولار، حيث تم تصوير معظم مطارداته ومعاركه في المملكة، نال الفيلم معاملة تفضيلية في دور العرض السعودية باعتباره فيلماً محلياً (يتعلق هذا بإتاحة عدد شاشات أكثر وتخفيض في الضريبة على سعر التذاكر والدعاية)، لتتجاوز إيراداته 10 ملايين دولار هناك، ما يضعه بالمركز العاشر لأعلى إيرادات في شباك التذاكر السعودي منذ بدايته في 2018. في هذه القائمة تسبقه 4 أفلام مصرية أخرى:
8- عمهم (2022): 11 مليون دولار
7- من أجل زيكو (2022): 11.1 مليون دولار
5- وقفة رجالة (2021): 15.6 مليون دولار
4- بحبك (2022): 15.7 مليون دولار
عالمياً، سيتجاوز إجمالي إيرادات «ولاد رزق 3» الـ22.3 مليون دولار حصيلة عرضه بأكثر من 20 دولة بأنحاء العالم بحسب ما أعلنه تركي آل الشيخ رئيس هيئة الترفيه السعودية، أهم أسواق في رحلة عرض الفيلم كانت:
1- السعودية: 10 ملايين دولار
2- مصر: 5.2 مليون دولار
3- الإمارات: 2.4 مليون دولار
4- الكويت: 1.8 مليون دولار
5- قطر: 554.6 ألف دولار
6- الأردن: 518.7 ألف دولار
7- الولايات المتحدة وكندا: 486 ألف دولار
إيرادات «ولاد رزق» الدولية تضعه أيضاً بمركز متقدم في قائمة الإيرادات العالمية للأفلام العربية، التي نادراً ما تقتحمها الأفلام المصرية بسبب قلة وضعف عروضها خارج مصر.
أعلى 5 أفلام عربية في شباك التذاكر العالمي
تهانينا الحارة لرزق وأولاده، ونجومه ومنتجيه، ومموليه. ولكن ماذا تستفيد صناعة السينما المصرية من كل هذه الإنجازات الضخمة؟ محلياً، من المتوقع أن يستحوذ الفيلم على نحو خُمس إجمالي إيرادات شباك التذاكر السينمائي في مصر خلال 2024، وقد أسهم في رفع حرارة موسم عيد الأضحى والصيف كله، وساعد دور العرض في تفعيل الشاشات المعطلة وتطبيق زيادات خجولة في أسعار التذاكر لا تتواكب مع التضخم.
نسب المساهمة والأرباح مع الممول السعودي تظل غير معروفة، لكن الفيلم أسهم في جلب تمويلات وإيرادات دولية بالدولار لمواطنين وشركات مصرية، وهناك مزيد من الإيرادات حصيلة بيعه لمنصات العرض التلفزيوني. نجاح «ولاد رزق» فتح شهية جهات التمويل السعودية لإنتاج مزيد من الأفلام المصرية، معظمها من عيار مختلف عن الأفلام الكوميدية الصغيرة التي تُصنع لأجل السوق السعودية. في الحقيقة، «ولاد رزق» هو أول فيلم حركة مصري يسجل إيرادات قوية في السعودية، وقد عُرض بحضور فيلم أمريكي قوي هو «Bad Boys: Ride or Die» الذي تخطت إيراداته 23 مليون دولار، مما يفتح سوقاً للمزيد من الأفلام المصرية، بمزيد من التنوع.